لم تكن الصورة التي التقطت في المكتبة البيضوية في العاشر من تشرين الثاني مجرد لحظة بروتوكولية عابرة، بل بدت كإعلان عن تحول عميق في مسار ظل لعقود محفوفاً بالقطيعة والعداء.
هناك وقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى جانب أبو محمد الجولاني وأعلن انضمام دمشق إلى التحالف الدولي ضد جماعة داعش، في خطوة أنهت عملياً سنوات طويلة من العزلة والعقوبات، وفتحت باباً جديداً على علاقة شديدة التعقيد. التحول لم يبق في حدود الخطاب السياسي؛ فبعد أيام فقط انتقل التقارب إلى الميدان، وكان ذلك بمثابة اختبار لمدى جدية الشراكة الوليدة ورسالة بأن واشنطن قررت التعامل مع دمشق الجديدة بوصفها شريكاً أمنياً لا مجرد ملف مؤجل.
لكن هذا الانسجام الميداني كشف في المقابل عن شروخ سياسية عميقة ففي الجنوب السوري، استمر التوغل الإسرائيلي ومحاولات المستوطنين فرض بناء مستوطنات في المناطق المحتلة حديثاً، مترافقة مع تصريحات متكررة من ترامب تؤكد الاعتراف الأمريكي بالسيادة الإسرائيلية على الجولان. تصريحات أعادت إلى الواجهة توصيفاً سابقاً للجولان السوري باعتبارها مكسباً استراتيجياً بالغ القيمة، في تجاهل صارخ لكونها أرضاً سورية محتلة منذ عقود.
الأكثر إثارة للجدل لم يكن فقط الموقف الأمريكي، بل الصمت السوري: صمت رسمي إزاء التوغلات والتصريحات وتجاهل لافت للجولان في بيانات الدعم المتتالية للحليف الأمريكي. ذروة هذا الجدل جاءت مع نشر خريطة رسمية لسوريا بمناسبة رفع عقوبات قيصر، وقد غابت عنها هضبة الجولان. خطوة أشعلت نقاشاً واسعاً: هل كان ذلك خطأ تقنياً، أم هي إشارة سياسية محسوبة تعكس ثمناً غير معلن في معادلة الدعم الدولي؟
في سوريا الجديدة، يتقاطع الحرب على الإرهاب مع حسابات جيوسياسية شديدة الحساسية، تحالفات تتشكل تحت ضغط الأمن، وتناقضات تتسع تحت وطأة السياسة. وبينهما يقف الجولان كشاهد صامت على حدود هذه التحولات، وعلى كلفة التوازنات الجديدة في مرحلة يعاد فيها رسم المشهد السوري بأقلام متعددة، فيما تبقى السيادة الكاملة سؤالاً مفتوحاً على المستقبل.