والشعب من طرفه مصرٌ على نيل حقوقه، وليس في وارد التراجع عما خرج من اجله، وعما قريب تدخل انتفاضته عامها الثاني، حيث يستعد لاحيائها، بينما يصرح وزير داخلية النظام أنه سينهي الانتفاضة بحلول فبراير .
وعلى امتداد سنة من الحراك الشعبي لم يتقدم النظام بمبادرة جدية، حتى مبادرة ولي العهد (المبادرة السباعية) التي وافقت عليها المعارضة باعتبارها ارضية للحوار، انقلب عليها النظام منذ 13 اذار (مارس) الماضي، وتوارى هو الى الخلف، وكأنه ليس صاحب مبادرة، بمعنى آخر قبرت المبادرة.
خلال الانتفاضة قام النظام ايضا، وفي اعقاب قانون احكام الطوارئ بتشكيل لجنة حوار التوافق الوطني ، وكانت شكلا من دون مضمون وتضييعا لمطالب الشعب في تفاصيل ليس لها اول ولا آخر، بينما يعرف النظام ما هو مطلوب منه بالتحديد، وفي نهاية المطاف لم يتمخض عنها شيء، وذهبت هذه اللجنة، وما صدر عنها من توصيات ادراج الرياح .
بعد ذلك اوعز النظام الى مواليه بتشكيل ثلاث لجان لما يسمى باعادة اللحمة الوطنية، في حين ان النظام نفسه هو المسؤول عن التشطير الطائفي وفصم اللحمة الوطنية من خلال اعلامه غير المسؤول، والشحن الطائفي، واللعب على الورقة الطائفية، وكل ذلك من اجل تضييع القضية السياسية للانتفاضة. ومع ذلك فإن هذه اللجان الثلاث المتتالية ولدت ميتة ولم تعد اللحمة الوطنية.
بعد صدور تقرير لجنة بسيوني (23/11/2011) شكل النظام لجنة لدراسة تنفيذ توصيات هذه اللجنة (لجنة بسيوني) منذ تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، وحتى الآن لم يتمخض عنها شيء، بل زاد القمع من قبل النظام وما تزال قيادات الحراك الشعبي مسجونة، ولم يوفر النظام احدا من القمع والتنكيل وعلى مرأى ومسمع العالم ولم يتوقف عنه، ولا يعرف احد ماذا فعلت هذه اللجنة، وبالمناسبة كذلك تم تشكيلها من قبل النظام بخلاف ما ورد في توصيات لجنة بسيوني، ومعظم شخصياتها من الموالين للنظام .
وبعد موجة اللجان السابقة تطلع علينا هذه المرة مجموعة من الشخصيات لتشكيل لجنة ـ تقول عن نفسها وطنية ـ لعقد مؤتمر وطني تحت عنوان اللقاء الوطني يهدف الى اخراج البحرين من ازمتها السياسية، ويكون المؤتمر بين مكونات المجتمع من جهة والحكومة من جهة اخرى .
طبعا لا يشك احد في نوايا القائمين على هذه اللجنة، وحرصهم على هذا البلد، لكن المرء لا يسعه الا ان يشكك في نوع كهذه من اللجان ومدى قدرتها على ايجاء الحلول التي تتوخاها، وذلك لعدة اسباب نجملها في التالي:
1 ـ ان هذه المبادرة تهدف الى احياء مبادرة ولي العهد (السباعية)، لا اظن ان هذه المبادرة قابلة للحياة فقد ماتت في 13 مارس الماضي، ومبادرة ولي العهد لا تحتاج الى لجنة للحوار حول بنودها، اذ بامكان ولي العهد او من ينوب عنه ان يبادر الى حوار المعارضة مباشرة، كما فعل اول مرة، بحيث يكون الحوار بين النظام مباشرة والمعارضة مباشرة، وليس بين مكونات المجتمع (هكذا) والحكومة، كما ترى هذه اللجنة، وهي مخطئة بالتأكيد في هذا الطرح .
-2 التشابه بين مضمون هذه اللجنة ولجنة حوار التوافق الوطني، التي شكلها النظام حيث كان النظام قد ادخل كل مكونات المجتمع في هذه اللجنة، وهم في الحقيقة ليسوا مكونات بقدر ما هم من المحسوبين على النظام وليس لهم علاقة بما جرى، كما ابعد المعارضة السياسية الحقيقية من هذا الحوار واغرقه بتفاصيل ليس لها علاقة بما يحدث على الساحة السياسية. فعن أي مكونات تتحدث هذه اللجنة المقترحة (الجديدة).
3 ـ طرحت هذه اللجنة كسابقتها (الحكومية) نفس البنود التي طرحتها لجنة الحكومة، وهذا تضييع للقضية الجوهرية التي انتفض من اجلها الشعب البحراني، المتمثلة في اقامة ملكية دستورية، وهي مسألة سياسية بامتياز، وليست حسب البنود التي تطرحها هذه اللجنة، لأن الحل السياسي كفيل بايجاد الحلول لبقية القضايا المطروحة وليس العكس .
-4اين كان القائمون على هذه اللجنة، فيما سبق، ولماذا تأخروا كل هذه المدة، ولماذا الآن بالتحديد، وفي وقت يواجه فيه النظام مأزقا تاريخيا لا يمكنه الخروج منه الا باستجابة حقيقية لمطالب الشعب .
-5 بتقديرنا ان الوضع في البحرين لا يحتاج الى لجان لحل ازمتها السياسية الطاحنة والمزمنة، وكل ما تحتاجه هو حوار سياسي مباشر بين المعارضة وفي القلب منها حركة 14 فبراير من جهة، والنظام من جهة اخرى، وليس بين من لا علاقة لهم بالموضوع، كما تقترح اللجنة من جهة والحكومة من جهة اخرى. فمطالب الشعب واضحة وضوح الشمس، والحكومة تعرف ما هو مطلوب منها، دونما حاجة الى لجان لكسب الوقت والمماطلة من قبل الحكومة .
6 ـ اخيرا اقل ما يقال في هذه اللجنة انها تحاول بعلم او من دون علم اخراج النظام من ورطته القائمة في بنيته، وبالتالي تجميل سمعته امام المنظمات الدولية، بحجة ان هذه اللجنة لم تكن من قبل النظام، انما من قبل شخصيات وطنية او اهلية، وهو حريص على الحوار معها ولا يرفض الحوار مع كل اطياف المجتمع، بحيث يتم استغلال ذلك من قبل النظام في تلميع صورته، بينما هو في الواقع ابعد ما يكون عن لغة الحوار او الرشد السياسي .
7 ـ سنة من الثورة في البحرين، ظهرت فيها اكثر من نصف دزينة من اللجان من دون فائدة، ولم يتقدم النظام خلالها خطوة واحدة جدية باتجاه المعارضة، فهل سيخطو لعين لجنة اللقاء الوطني المزعومة ، ام هي احد تخريجات النظام لكن بشكل ثان. بينما المطلوب لاخراج البلاد من النفق المظلم، اجراءات سياسية خطيرة وتاريخية يقدم عليها النظام، وليس انشاء لجان في اثر لجان وسياسة الهروب الى الأمام كسبا للوقت.
*يوسف مكي - باحث في علم الاجتماع يقيم في البحرين