قانون "جرائم المعلومات" واستمرار سیاسة تكميم الأفواه في مصر

قانون
الأحد ١٩ أغسطس ٢٠١٨ - ٠٧:٤٦ بتوقيت غرينتش

وقع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قانونا يقضي بتشديد الرقابة على الإنترنت حسبما ذكرت الجريدة الرسمية يوم السبت.

العالم - مصر 

ويسمح التشريع المتعلق بـ"جرائم الإنترنت" أو "جرائم المعلومات" للسلطات المصرية بحظر المواقع الإلكترونية التي تشكل "تهديدا" للأمن القومي أو الاقتصاد المصري.

تنتقد منظمات حقوقية قانون "جرائم المعلومات"و تعتبر بأنه يستهدف التضييق على الحريات، لا سيما عبر شبكات الإنترنت.

وينص القانون المثير للجدل على عقوبات بالسجن والغرامات المالية على كل من "أنشأ أو أدار أو استخدم موقعا أو حسابا خاصا على شبكة معلوماتية بهدف ارتكاب أو تسهيل ارتكاب جريمة معاقب عليها قانونا". كما يحظر القانون الدخول أو إعادة نشر معلومات موجودة على "مواقع محظورة".

ويحظر القانون "نشر معلومات عن تحركات الجيش أو الشرطة، أو الترويج لأفكار التنظيمات الإرهابية، كما يكلف رؤساء المحاكم الجنائية بالبحث والتفتيش وضبط البيانات لإثبات ارتكاب جريمة تستلزم العقوبة، وأمر مقدمي الخدمة بتسليم ما لديهم من معلومات تتعلق بنظام معلوماتي أو جهاز تقني، موجودة تحت سيطرتهم أو مخزنة لديهم".

القانون هو واحد من سلسلة إجراءات يرى ناشطو حقوق الإنسان أن الهدف منها هو الحد من حرية التعبير على الإنترنت.

وقد تم بالفعل حظر أكثر من 500 موقع في مصر قبل القانون الجديد، وفقا لرابطة حرية الفكر والتعبير ومقرها القاهرة.

يشار إلى أن المشرعين المصريين أقروا الشهر الماضي مشروع قانون آخر يمنح المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، الحق في مراقبة مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي.

وتحتل مصر حاليا المرتبة 161 من بين 180 دولة في تصنيفات حرية الصحافة بحسب منظمة "مراسلون بلا حدود".

يأتي ذلك في ظل انتقادات للقاهرة بسبب التضييق على حرية التعبير، فقبل أيام اتهمت منظمة هيومن رايتس ووتش السلطات المصرية بإلقاء القبض على أكثر من 12 شخصا، فيما قالت إنها حملة ضد الفنانين.

وأثارت مؤسسات معنية بحرية التعبير تحفظات على القانون باعتباره يتضمن "اتهامات واسعة يمكن توجيهها لأي مستخدم للإنترنت، قام بأي فعل على الإنترنت بالمشاركة أو الكتابة أو التعليق.

وتقوم السلطات المصرية باعتقال الصحفيين واستهداف وسائل الإعلام في سياق ما تعدّه منظمات حقوقية محلية ودولية تدهورا خطيرا لأوضاع حقوق الإنسان والحريات في مصر، ويوجد عشرات الآلاف من المعتقلين السياسيين في السجون، وفق مصادر حقوقية مختلفة.

 

القوانين الجديدة تقيد العمل الصحفي في مصر

هذا ونشرت مجلة "لوبوان" الفرنسية فی تموز/یولیو الماضی تقريرا بينت فيه كيف ساهمت سلسلة القوانين

الجديدة التي تبناها البرلمان المصري، في تقييد العمل الصحفي في مصر، ليصبح بذلك انتهاك الدولة لحرية التعبير مقننا.

وقالت المجلة، في تقريره ، إن أغلبية الثلثين من البرلمان المصري قد صادقت على ثلاثة نصوص قانونية متعلقة بوسائل الإعلام، تهدف جميعها إلى "مكافحة المعلومات المضللة"، وذلك بحسب بيان نشر عن مجلس النواب.


وفي مقابلة له مع وكالة أسوشييتد برس، علق رئيس نقابة الصحفيين السابق، يحيى قلاش، على سلسلة القوانين الجديدة التي أقرها البرلمان المصري قائلا: "هذا يوم حزين بالنسبة للصحافة"، وقد تحدث مطولا عن تأثير هذه القوانين

وأوردت المجلة أنه في يومي 10 و11 حزيران/ يونيو الماضي، صادق البرلمان على هذه القوانين مؤقتا، وستكون سارية المفعول رسميا بعد مصادقة الرئيس عبد الفتاح السيسي عليها. وقد تم عرض بيان للمطالبة بتعديل العديد من البنود المثيرة للجدل، بناء على طلب من نقابة الصحفيين ومجلس الدولة.

من المتوقع أن تعزز هذه القوانين الجديدة الجهاز التشريعي الذي لا يضيق الخناق على الصحفيين ويقيّد حريتهم فحسب، وإنما يسلب المواطنين المصريين أيضا حرية التعبير. وتحتل مصر اليوم المرتبة الـ161 عالميا في حرية الصحافة من أصل 180 دولة، بحسب إحصاء نشر سنة 2018 عن منظمة "مراسلون بلا حدود".

وذكرت المجلة أنه ورد في بيان صادر عن منظمة العفو الدولية أنه "من الواضح أن مشاريع القوانين الجديدة هي عبارة عن وسيلة لتقييد حرية الصحافة والتعبير، وفيها انتهاك صارخ للمعايير الدولية والدستور المصري. وتهدف هذه القوانين إلى حجب المواقع الإخبارية بحجة حماية الأمن القومي والأخلاق العامة". وخلال هذه السنة، تم إغلاق 500 موقع إخباري بتهمة "الإرهاب" أو نشر "معلومات مضللة". ويبدو أن هذا الرقم سيرتفع أكثر بما أن التشريع الجديد يمنع إنشاء مواقع إعلامية عبر الإنترنت دون الحصول على ترخيص حكومي.

وفي الختام، قالت المجلة إنه من المؤكد أن هذه القرارات لن تطمئن 34 صحافيا ومدونا قابعين حاليا في السجون المصرية، على غرار محمود أبو زيد، المصور الصحفي الذي قام بتغطية مجزرة ساحة رابعة العدوية يوم 14 آب/ أغسطس من سنة 2013. وقد وجهت لأبي زيد تهمة الانتماء إلى الإخوان المسلمين عند اعتقاله، وإنه إلى حد الآن، ما زال محبوسا بين جدران زنزانته وهو معرض لعقوبة الإعدام.

 

تحذير أممي من تمادي مصر بالإعتداء على حرية التعبير

حذر مسؤولون أمميون مصر مرات عدة من التمادي في اعتدائها على حرية التعبير من خلال حظر عشرات المواقع الإلكترونية، معربين عن قلقهم الشديد إزاء التقارير التي تحدثت عن توسيع قائمة المواقع التي أغلقت أو أوقفت بدعوى "نشر الأكاذيب" و"دعم الإرهاب".

يقول خبراء حقوق الإنسان بالأمم المتحدة إن "الوضع الصحفي وحرية التعبير والوصول إلى المعلومات في مصر أصبحت في أزمات منذ عدة سنوات". "وتتخذ أشكالا عديدة، بما في ذلك الاحتجاز والمضايقة غير القانونيين للصحفيين والناشطين.

ويعتقد الخبراء أن "حرمان المصريين من الوصول إلى المواقع الإلكترونية بجميع أنواعها، خاصة المواقع الإخبارية، يحرمهم من المعلومات الأساسية من أجل المصلحة العامة".

سياسة تكميم الأفواه في مصر 

تراجعت حالة حرية التعبير في مصر إلى الدرجة صفر، في السنوات الأخيرة. والملفت أن يحدث ذلك عقب ثورة خرجت بالأساس للمطالبة بمزيد من الحرية، فعادت بمزيد من القمع. هذه المفارقة تحدث عادة في أنصاف الثورات، حين لا يحقق الثوار أهدافهم، فتشغل الثورة المضادة مساحة كان يجب أن تشغلها الثورة، فيحدث حينئذ الانتقام من المطالب ذاتها، من الشعار. لكن في الحالة المصرية، لم تكن عملية الانتقام وقتية، ولا هي محاولة "لتأديب" المتمردين، ولا عادت حرية التعبير إلى منطقها المتوازن، بل انطلق سهم الانتهاكات وأصاب في طريقه كل من صادفه. هذه الريح حملت سياسيين وصحافيين ومثقفين وكُتابًا وكُتّاب رأي، واستولت على كل وسائل الإعلام الاجتماعية، الخاصة والحكومية، فأصبح الجميع يرتدي الزي الموحد المموه، حالة تشبه حالات الجنون التي تصيب المواطنين في حالات الحرب، لكننا هنا من دون حرب. المثير أن سهام الانتهاك لا تتوجه فحسب إلى من يسمونهم "أهل الشر"، إنما تصوب في صدر المسرحي والروائي والمصور والإعلامي، كأن هدفها الحقيقي هو الكلمة، من يكتبها ومن ينطق بها.

تم قبل أيام تأييد قرار إخلاء سبيل المدوّن المصري إسلام الرفاعي وهنأت منظمة العفو الدولية أمس الأول قرار اخلائه قائلة ان القبض عليه وحبسه كان بهما مساس بحقه في حرية التعبير.

تأتي قضية الرفاعي ضمن مجموعة كبيرة من القضايا التي تتعلق بحرية الرأي والتعبير المنتهكة في مصر في إطار ما يُعرف بسياسة تكميم الأفواه، حيث يقبع فنانون وشعراء وإعلاميون ومدوّنون في السجون المصرية بسبب قصيدة أو أغنية أو مقال أو فيلم أو مسرحية أو رأي لم يرق للنظام المصري، وبخاصة تلك الأعمال التي تتسم بالسخرية والنقد. بينما صدرت في حق فنانين وإعلاميين آخرين أحكام غيابية لوجودهم خارج الأراضي المصرية. يتم تصنيف التهم الموجهة لهؤلاء ضمن قضايا أمن الدولة، وبعض التهم متصلة بالإرهاب، وهو ما أثار استياء وتنديد منظمات حقوقية كثيرة.

بحسب تقرير تداوله ناشطون على (تويتر) أخيرا، قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" إن "السلطات المصرية ألقت القبض على أكثر من 12 شخصا في حملة ضد الفنانين، فيما يبدو أنها بسبب ممارستهم حريتهم في التعبير.

وأضافت المنظمة: "منذ فبراير الماضي، اعتقلت السلطات أو حاكمت شاعرا ومغنية شعبية بارزة وكاتبا مسرحيا وراقصة شرقية وممثلين ومنتجي أفلام مصريين عديدين بسبب أعمالهم. استدعت نيابة أمن الدولة العليا، المشرفة على قضايا الإرهاب، أو النيابة العسكرية، هؤلاء الفنانين للتحقيق، ويواجه بعضهم تهما متصلة بالإرهاب". يضيف التقرير: "جاءت الاعتقالات والملاحقات القضائية بعد أن قال الرئيس عبد الفتاح السيسي في خطاب ألقاه في 1 مارس إن إهانة الجيش أو الشرطة "خيانة عظمى"، وأمر "جميع الجهات الحكومية" بعدم السماح بتلك "الإساءة". قال إنها "ليست حرية تعبير" من دون تسمية أي حادث محدد".

أكد إعلاميون أن سياسة تكميم الأفواه وإدانة الفكر والإبداع، ومصادرة الرأي الحر ما تزال مستمرة في مصر، ما يعكس وحشية النظام المصري الذي وصفوه بالبوليسي والقمعي.

ويقول الإعلامي عبد العزيز محمد: للأسف، عمد النظام المصري إلى القضاء على كل أشكال التعبير الحر عن الرأي في المجالات كافة، حتى طالت حملات القمع الفنانين والشعراء والإعلاميين. وكان واضحا أن النظام يؤسس خارطة جديدة ربما تمتد لسنوات، والسمة الأبرز تتمثل في تغيير نوعي في طبيعة الانتهاكات. مضيفا: تخلل القمع تفاصيل الحياة اليومية للمبدعين والمثقفين، بعد أن كان ينصب على الأفعال التي كان يطلق عليها أنشطة سياسية، فأصبحت الاتهامات الموجهة ضد حرية التعبير نافذة في تفاصيل المجتمع، كما أن هذا النفاذ اتخذ في معظمه منحى أخلاقيا يعبر عن طبيعة هذا النظام البوليسي وتسييد صوته وخطابه دون السماح لأي أصوات أخرى بالنفاذ للجمهور.

وتابع: لقد بات الوضع مرعبا في مصر الآن. إنهم لا يلاحقون المعارضين فحسب، بل الفنانين والشعراء والكتاب وأي صاحب رأي مختلف. إنه وضع يتسم بالوحشية ونحن كإعلاميين ندين وبشدة تدهور وضع حرية التعبير في مصر، ويبدو لنا جليا أن مرحلة التحول إلى النظام الديمقراطي الذي يتمناه الاشقاء في مصر لا يمكن تحقيقه في ظل غياب حرية التعبير وفي ظل النظام القمعي البوليسي.

كما أوضح الكاتب والناقد المسرحي الدكتور حسن رشيد أنه ليس بمقدور أي أحد في هذا العالم أن يصطاد الفنان والمبدع، لأنه كائن حر ولا يمكن أن يُقيد في فنه وإبداعه، لافتاً إلى أن الحملة التي شنتها السلطات المصرية لسحق حرية الفن هي حملة فاشلة ولا يمكن أن تستمر طويلاً.

وقال د. رشيد: "في أي زمان ومكان لابد أن نجد مثل هذه العينات التي تهاجم الفن، وتقف أمام ظاهرة الإبداع، متناسياً أن الإبداع يفرض نفسه، وأنه ليس بمقدور أحد أن يغلق الطريق أمام الفنانين والمبدعين"، موضحاً أن من يقف في وجه الإبداع ويحارب المبدعين خاصة في مجال الفن والثقافة سيزول وهذا ما حصل في القرون الماضية، حيث بقيت الأعمال الخالدة بالرغم من محاربتها والوقوف ضدها.

ويقول الشاعر والإعلامي محمد ناصر الشهواني: النظام المصري بقيادة عبد الفتاح السيسي نظام دكتاتوري، قمعي، وظالم.. زجّ بالكثير من شيوخ الدين والأدباء والإعلاميين والشعراء والفنانين في غياهب السجون بتهمة ودون تهمة. مضيفا: حرية الرأي والتعبير في مصر غير موجودة، كما أنه لا توجد شفافية حتى في مسألة الاعتقالات التي تحدث بين الحين والآخر، وهي إجراءات تفتقد المصداقية خاصة عندما يتعلق الأمر بقضايا الرأي.

وتقول المذيعة بقناة الجزيرة سلام هنداوي: تقرير هيومن رايتس ووتش يعرض جزءا من حالة القمع العامة في مصر، والفنانون ليسوا استثناء من هذا القمع بل هم جزء بسيط جدا من شريحة واسعة في مصر تعاني من ويلات الظلم والاضطهاد والإقصاء. في النهاية، فإن نظام السيسي كحال الأنظمة الديكتاتورية المستبدة التي أتت بانقلابات عسكرية لن يسمح إلا بإعلاء الصوت الواحد والفن الواحد الذي يمجّد الحاكم. اليوم نرى النظام انقلب حتى على بعض أذرعه الإعلامية، وبعضهم طرد مؤخرا من عمله التلفزيوني، وهناك قانون في البرلمان المصري لمنع الإعلاميين من التحدث في السياسة. فالمناخ العام في مصر موبوء، وحالة الخوف مسيطرة على الحياة العامة.

وأضافت هنداوي: اللافت ليس التقرير فحسب، بل طريقة تعاطي النظام المصري مع هذه المنظمات، والتشكيك بها، ومهاجمتها بأنها ليست محايدة. في أكثر من لقاء تلفزيوني شاهدنا أن الأذرع الإعلامية تشن حملات تشكيك وشتم لهذه المنظمات التي اعترفت أصلا بأنها تواجه صعوبات في عملها بمصر.