إبراهيم سرحان: إعادة النظر بمجهر العدالة لا بسيف السياسة

إبراهيم سرحان: إعادة النظر بمجهر العدالة لا بسيف السياسة
الأحد ٢٦ يوليو ٢٠٢٠ - ٠٨:٣٩ بتوقيت غرينتش

يقول ابن خلدون في مقدمته: "فسادُ القضاء يُفضي إلى نهايةِ الدول"، معنى ذلك أن القضاء آخر سياج يمكن أن يحمي الدول، فالدولة التي تقوم على أساس الظلم لابد أن تنتهي فهي لا يمكن أن تستقيم مع الحالة الطبيعية والسنن الكونية، ففساد السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية يمكن أن يصححه القضاء العادل والنزيه ويصبح القضاء هو الحارس الطبيعي على الحقوق والحريات، ولكن إذا فسد القضاء فمن يصححه؟

العالم - البحرين

إذا ما محصّنا قضية المحكومين بالإعدام محمد رمضان وحسين موسى، نجد أن تقرير وحدة التحقيق الخاصة الذي قُدّمَ إلى النيابة العامة وبدورها رفعته إلى وزير العدل الذي طلب إعادة النظر في الدعوى وفحصه المكتب الفني التابع لمحكمة التمييز فإنه وبحسب الإجراءات اتخذ المسلك الشكلي القانوني الصحيح، ولكن موضوعيا يجب أن لا نغفل عن حقيقة قبول الطلب من المكتب الفني مبني على قوّة الدليل المقدّم وأن التقرير يغيّر الحكم البات في هذه الدعوى وكان بموجب البند الخامس من المادة 43 بقانون محكمة التمييز والتي تنص على: "إذا حدثت أو ظهرت بعد الحكم وقائع أو إذا قُدِمت أوراق لم تكن معلومة وقت المحاكمة وكان من شأن هذه الوقائع أو الأوراق ثبوت براءة المحكوم عليه". أي أن الدليل إذا لم يكن له شأن في تغيير الحكم سواء على سبيل اليقين أو يُفيد بالشك الجسيم في الإدانة فلا يقبل الطلب فالأصل إذا موضوعيا أن يكون لأساس الطلب تغيير في الحكم البات، فهذا ما سارت وتسير عليه المحاكم الجنائية في الدول وأصبح قاعدة قضائية مستقرة.

وصحيح أن القاعدة القضائية تقول بأن الأحكام الباتة هي عنوان الحقيقة غير أن لها استثناء وهذه القاعدة ليست مطلقة فهناك بعض الأحكام تحوز حجية الأمر المقضي به وقد يكتشف بها أخطاء جسيمة قد تكّلف القضاء والعدالة ضرراً بالغاً يُصيب المصلحة الاجتماعية وتضمحل هيبة القضاء والمحاكم، ولذا وضع الفقه الجنائي مسلك استثنائي للطعن على الأحكام الباتة أي التي تصدر من محكمة التمييز (النقض) بعد صيرورتها باتة وتحوز حجية الأمر المقضي به، وهو إلتماس (طلب) إعادة النظر وأغلب القوانين الجنائية (المقارنة) قد نظّمت هذا الأمر بشكل دقيق وقد نظّم المشرّع البحريني هذا الموضوع في قانون محكمة التمييز وبالتحديد في المادة 43 وما بعدها، وهذا المسلك فلسفته ضمان تحقيق العدالة وتلافيا لأي خطأ جسيم يشوب الأحكام الباتة.

ووفق القواعد القانونية فإن طلب إعادة النظر له شروط شكلية وموضوعية ويفحص الطلب مكتب فني مكوّن من قضاة لديهم خبرة طويلة في السلك القضائي وتُتّبع فيه إجراءات دقيقة جداً، فإذا كان الطلب اتخذ الإجراءات الشكلية ليس بالضرورة أن يقبل إلا إذا كان يحمل التأثير الموضوعي، فقبول الطلب يعني أن ما قُدّم من دليل (وقائع أو أوراق) له أثر في تغيير الحكم البات بشكل قطعي، فإذا كان هذا الدليل لا يغير الحكم البات حتى لو كان لم يطرح أو يناقش في الدعوى فلا يقبل الطلب من الأساس.

وإذا ما عدنا للبحث في قضية محمد رمضان وحسين موسى سنجد أن الأمر غريب وبمسار لم يعهده القضاء الجنائي المقارن من محكمة إعادة النظر، حيث أن الخطأ الأول ارتكبته محكمة إعادة النظر في المناقشة والتسبيب الذي لم يُرجع أصل الإعتراف إلى التعذيب واعتبر التعذيب لم يرقى إلى الإتهام وكان مجرّد شبهة جنائية، وهذا يعني أن النيابة العامة لم تتطلع على تقرير وحدة التحقيق الخاصة؟ أو أن المكتب الفني لم يفحص العلاقة بين التعذيب والاعترافات من جهة والاعتراف والحكم البات من جهة أخرى؟ والخطأ الثاني أن محكمة التمييز بعد إعادة النظر أخذت موضع المراقبة على تطبيق القانون وهو ما لا يقبله الفقه الجنائي لها عند إعادة النظر، فمحكمة النقض (التمييز) تكون محكمة موضوع بقوة القانون وهي الأصل في إعادة النظر وتصحيح الخطأ الجسيم بالحكم البات، ولكنها هنا رضخت لسيف السياسة واغمضت عينها كي لا ترى الفايروس بمجهر العدالة.

ابراهيم سرحان - مستشار قانوني في منظمة سلام للديمقراطية وحقوق الانسان