القرن الإفريقي في الاستراتيجية التركية

ما هي طموحات العثمانيين فى "أرض الصومال"؟

ما هي طموحات العثمانيين فى
الأحد ٠٥ نوفمبر ٢٠١٧ - ٠٦:٠٨ بتوقيت غرينتش

كثير من المحللين يعتقدون ان تركيا تنظر الى الصومال كمحطة لتوسيع نفوذها فى القارة الإفريقية، خاصة بعد ان افتتحت تركيا أول قاعدة عسكرية لها منطقة القرن الافريقي الاستراتيجية، على بعد كيلومترين جنوب العاصمة الصومالية مقديشو.

العالم-افريقيا

نشر «مركز الروابط للبحوث والدراسات»، ورقة بحثية مطولة، لتقدير الموقف وتحليل السياسات، بشأن الإعلان التركى عن افتتاح قاعدة عسكرية فى الصومال، تعد الأولى من نوعها، وتمثل وجودًا عسكريا معلنا وصريحا، فى تلك المنطقة الاستراتيجية، الأكثر أهمية فى الساحل الإفريقى الذى يتقاطع مع العديد من المسارات البحرية المهمة.

وحملت الورقة عنوان: «أبعاد وطموحات القاعدة العسكرية التركية فى الصومال»، واكتسبت أهميتها من كون محررها باحثا وكاتبا صوماليا، هو كمال الدين شيخ محمد، الذى يتناول المشهد من قلب الحدث، مع رصد إرهاصاته وتداعياته المستقبلية، على أرض الصومال، الغائبة عن أضواء الإعلام والرصد عادة، وهو ما نعرضه فى السطور التالية..

المساعدات الإنسانية وسيلة أنقرة للوصول إلى قلب مقديشو

تبرز الأهمية الاستراتيجية لمنطقة القرن الإفريقى، من إشرافه أولا على بحر العرب والبحر الأحمر والمحيط الهندى، واشتراكه مع اليمن فى الإطلالة المباشرة على خليج عدن، ومضيق باب المندب، وثانيا من المساحة البرية، التى تمثل هى الأخرى نقطة الانطلاق من المياه الدافئة إلى البر، وصولا إلى قلب إفريقيا، الأمر الذى يمثل نقطة الوصل بين البر والبحر معا.

ويفسر ذلك تاريخ الصراعات الاستعمارية المحتدمة حول المنطقة منذ قرون طويلة، بهدف السيطرة عليها، ما جعل منطقة القرن الإفريقى منذ القدم وحتى اليوم هدفا من أهداف الطامعين.

وتزامن مجىء تركيا إلى الصومال فى مرحلة حساسة لتحسين معالم هذا البلد المضطرب، الذى كان فى أمس الحاجة إلى كل من يمد له يد المساعدة للخروج من محنته، مع تزاحم اللاعبين الإقليميين والدوليين فى الساحة.

وصلت تركيا إلى الصومال فى وقت انشغل فيه العالم أجمع عن المجاعة والمأساة الإنسانية التى تعيشها البلاد، وكان الرئيس التركى رجب أردوغان أول رئيس دولة يزور الصومال فى أغسطس ٢٠١١، فاتحا الباب أمام مساعدات إنسانية واقتصادية وتنموية تركية، وصلت ذروتها بالتوقيع على اتفاقية للتعاون الاقتصادى والتجارى بين البلدين.

وترافق هذا الزخم الإغاثى التركى مع مسار تنموى اتخذ أوجهًا عدة، ففى المجال التعليمى، فتحت تركيا أبواب جامعتها لآلاف الطلبة الصوماليين، من خريجى مدارس وجامعات الصومال، عبر برنامج المنح الحكومية، وعبر منح خاصة أخرى. ومن جهود الإغاثة التركية ترميم مستشفى «ديكفير»، الذى يطلق عليه حاليا مستشفى «أردوغان»، فى العاصمة «مقديشو»، وتم افتتاحه أثناء الزيارة الثانية للرئيس التركى إلى الصومال فى يناير ٢٠١٥، ويعمل بهذا المستشفى طاقم طبى، مكون من ٩٠ طبيبًا تركيا، و٢٠٠ طبيب صومالى، ويستقبل المستشفى المرضى من البلاد، ومن بعض الدول المجاورة، مثل كينيا وجيبوتى. وعملت الحكومة التركية على تدريب وتأهيل الآلاف من قوات الجيش والشرطة الصومالية، فى محاولة لخلق دور تركى متزايد فى الصومال، يضيق الخناق على اللاعبين الإقليميين فى الساحة، خاصة بعدما نالت أنقرة ثقة الصوماليين، حكومة وشعبا، بسبب مواقفها الإنسانية والإغاثية تجاه البلاد أثناء أزمة الجفاف.

100 مليون دولار استثمارات تركية و٧٢ مليونًا حجم التبادل التجارى

ترتبط العلاقة بين تركيا والصومال ارتباطًا وثيقا بالمصالح الاقتصادية للشركات التركية، التى تسعى إلى تطوير وإدارة البنية التحتية فى القرن الإفريقى، لذا قدمت الشركات التركية خدمات غير قليلة فى مدينة «كسمايو» الساحلية، بالإضافة إلى رحلات الخطوط الجوية التركية المستمرة بين مقديشو وإسطنبول. وفى المجال السياسى، نجحت تركيا فى أن تجعل إسطنبول عاصمة للمؤتمرات الصومالية، واستقبلت عددا من مؤتمرات المانحين، ولقاءات المصالحة الصومالية، وكان أبرز ما تمخض عن أحدها، هو خطوة اعتبرت بـ«المهمة»، تخص قضية «أرض الصومال»، وتضمنت اتفاقا لإدارة المجال الجوى بشكل مشترك بين الحكومة الصومالية و«صومالى لاند»، لأول مرة منذ اندلاع الأزمة بين الطرفين. وفى الجانب الاقتصادى، أشار نائب رئيس الوزراء التركى إلى أن حجم الاستثمارات التركية فى الصومال بلغ ١٠٠ مليون دولار، فى ٢٠١٦، فيما بين وزير الاقتصاد التركى أن حجم التبادل التجارى بين البلدين بلغ ٧٢ مليون دولار، فى العام نفسه، مع وجود خطة لرفعه إلى ٨٠ مليون دولار فى ٢٠١٧، و١٠٠ مليون دولار فى ٢٠١٨. العلاقات بين البلدين لم تتوقف عند هذا الحد، بل أصبح الصومال ثانى دولة تستضيف قاعدة عسكرية تركية خارج أراضيها، بعد إعلان أنقرة عن إنشاء أول قاعدة عسكرية لها بالخارج فى قطر.

وافتتحت تركيا أول قاعدة عسكرية لها فى إفريقيا، على بعد كيلومترين جنوب العاصمة الصومالية مقديشو، وتبلغ مساحتها نحو ٤ كليومترات مربعة، وتضم ثلاثة مرافق مختلفة للتدريب، بالإضافة إلى مخازن للأسلحة والذخيرة، وتبلغ تكلفتها المالية ٥٠ مليون دولار. وأنشئت هذه القاعدة بموجب اتفاقية عسكرية تم إبرامها بين البلدين فى ديسمبر٢٠١٢، وتعهدت تركيا من خلالها بالمشاركة فى إعادة تأهيل الجيش الصومالى، وتدريب أكثر من ١٠ آلاف جندى صومالى فيها.

توسيع النفوذ وبيع السلاح.. أهداف العثمانيين من القاعدة الجديدة

لاشك أن القاعدة العسكرية التركية التى تم افتتاحها فى أكتوبر ٢٠١٧، بحضور قائد أركان الجيش التركى خلوصى آكار، ورئيس الوزراء الصومالى حسن على خيرى، ستمنح تركيا امتيازات كبيرة على خليج عدن الاستراتيجى، كما ستكون محطة لتوسيع النفوذ التركى فى القارة الإفريقية، وذلك بعد أن وضعت تركيا قدما لها على الخليج الفارسي من خلال إنشاء قاعدة عسكرية فى قطر. ومن المرجح أن تكون هذه القاعدة التركية أفضل، خاصة أنها تطل على خليج عدن، الذى يحمل أهمية استراتيجية بارزة، بما يفتح بداية لآفاق جديدة من التعاون بين أنقرة ومقديشو، كما أنها ستكون موطئ قدم مهمًا للأتراك فى القارة السمراء. وستفتح القاعدة أبوابا واسعة لبيع وتصدير السلاح التركى وفق بعض التقارير؛ وتسعى أنقرة منذ سنوات إلى تطوير صناعاتها الدفاعية بشكل كبير، ورفع نسب تصديرها للخارج. وتدرك تركيا جيدا أهمية الصومال بالنظر إلى موقعه الجغرافى، إضافة إلى الثروات الكبيرة التى يمتلكها، والمخزون النفطى به.

الأبعاد الاستراتيجية تتضمن حصار الدول العربية والتمدد الإقليمى

رسميًا، لم تزد تركيا على التذكير بأن الهدف من تأسيس القاعدة العسكرية فى مقديشو ما هو إلا تدريب وتأهيل الجيش الصومالى، والتعاون العسكرى معها، غير أن المراقبين يعتقدون أن الأمر يتجاوز ذلك، ليصل إلى نوع من التمدد الاستراتيجى فى هذه المنطقة المهمة جغرافيا، وهو ما سيمكن أنقرة من تعزيز وتقوية أوراقها فى بعض الملفات الإقليمية.

فأولا: تمكن الخطوة من مواجهة تنامى نفوذ بعض القوى الإقليمية والدولية، مثل إيران وإسرائيل والصين، ومحاولة تطويق ومحاصرة تحركات بعض القوى الأخرى، مثل مصر والإمارات، فى إطار التنافس الإقليمى والدولى على النفوذ فى المنطقة، بالإضافة إلى السعى نحو تقديم نفسها كبديل إقليمى جاهز، لتحقيق وحماية مصالح وأهداف القوى الغربية والولايات المتحدة، فى إطار استراتيجيتها الرامية إلى بناء قوة ونفوذ، يخلق منها قوة عظمى سياسيا واقتصاديا وعسكريا.

وثانيا: يأتى تعزيز الحضور التركى فى منطقة القرن الإفريقى، نظرا لأهمية المنطقة استراتيجيا، وكونها تقع فى قلب مسرح الأحداث الإقليمية، بما يجعلها بمنزلة العمق الاستراتيجى للأمن القومى العربى، كما أن الصومال يطل على البحر الأحمر ومضيق باب المندب، فيما تسعى تركيا لإثبات وجودها ونفوذها فى هذه الممرات المائية.

كما يمنح الوجود فى هذه المنطقة تركيا العديد من المميزات على جميع المستويات، ففى الوقت الذى يبلغ فيه حجم الاستثمارات التركية المباشرة فى إفريقيا نحو ٦ مليارات دولار، فإن منطقة شرق إفريقيا وحدها تستحوذ على نصف هذه الاستثمارات تقريبا.

تعدد الفاعلين الدوليين يمنع تحقيق أحلام الهيمنة

بافتتاح هذه القاعدة، تحتل تركيا المركز السادس، من حيث الدول التى لها قواعد عسكرية فى القارة، وبالتحديد فى القرن الإفريقى، بعد الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا واليابان والصين، لكن لا يعنى ذلك أن الطريق أمامها أصبح مفروشا بالورود، فثمة تحديات عدة تواجهها فى مسارها للتوسع فى أدغال شرق إفريقيا، منها تعدد الفاعلين الدوليين، وحالة الاستقطاب الدولى والإقليمى فى الصومال.

وما من شك فى أن هذه القاعدة التركية فى مقديشو ستكون لها تداعيات على الصومال نفسها، يتمثل أولها فى تزايد معدل العمليات الإرهابية هناك، فمن المرجح أن تتزايد العمليات الإرهابية من حركة شباب المجاهدين، التى يرى قادتها أن القاعدة العسكرية التركية فى البلاد بمثابة احتلال تركى للأراضى الصومالية، ومن ثم تجب مقاومته، وهو أمر من شأنه أن يسهم فى زيادة عدم الاستقرار داخل البلاد.

ويأتى ثانى التداعيات فى أن القاعدة العسكرية التركية ستكون بمثابة صداع مزمن لإثيوبيا، الجارة المؤثرة فى الصومال، التى تعد أهم قوة إقليمية مؤثرة فى القرن الإفريقى عموما، وفى الصومال خصوصا.

وترى إثيوبيا فى الوجود التركى المتزايد فى الصومال، وتدريب الجيش الصومالى، خطوة إلى الإمام فى إعادة كيان صومالى، وجيش وطنى، قادر على حماية البلد من جديد، بما يمثله من خطورة على إثيوبيا، نظرا للعداء التاريخى بين الدولتين.

وثالثا، ليست إثيوبيا وحدها من تضيق ذرعا بتأسيس هذه القاعدة، بل هناك أيضا دول عديدة ستنزعج من هذه الخطوة، خاصة الدول الإقليمية المهتمة بالملف الصومالى، مثل، مصر والإمارات والسعودية وإيران.

فالدول مجتمعة لا ترى فى الأمر كونه مجرد تدريب يقوم عليه ٢٠٠ عسكرى تركى، بل يرونه خطوة من ضمن عدة خطوات لتكريس التواجد العسكرى التركى، فى أحد أهم الأماكن الاستراتيجية فى العالم.

المصدر: الدستور