حرب حزب الله ـ "إسرائيل"...المستبعدة

حرب حزب الله ـ
الإثنين ٢٧ أغسطس ٢٠١٨ - ١١:٤٢ بتوقيت غرينتش

بعد فشل رهانها على الحرب السورية ومآلاتها، باتت التقديرات الإسرائيلية راسخة بأن التهديدات المحيطة بـ"إسرائيل"، خصوصا من حزب الله، غير قابلة للإزالة أو للتقلص، والتسليم بحقيقة تناميها خلال السنوات العشر المقبلة. وهكذا بات اللجوء إلى الخيارات البديلة في مواجهة حزب الله، مطلب إسرائيلي أكثر من ضروري، خاصة بعد سقوط رهانها على إمكان خنق حزب الله عبر البوابة السورية.

العالم - مقالات

في الواقع، تراهن" إسرائيل" على تعزيز العوامل الداخلية المتفجرة في لبنان، وتحديدا ضمن البيئة الحاضنة لحزب الله، لعلها تحقق ما عجزت هي عنه.

وفي هذا الإطار، صدر عن معهد بيغن  السادات للدراسات الاستراتيجية التابع لجامعة "بار ايلان" دراسة بحثية تعالج إمكانات نجاح الدعوة الأميركية الأخيرة إلى تشكيل "ناتو عربي". وحثّت الدراسة على ضرورة مواجهة حلفاء إيران في بيئتهم الخاصة، كجزء رئيسي من الشروط الموضوعة لنجاح الحلف، مع التركيز على حزب الله في لبنان واستغلال نقاط ضعف منطقة البقاع، حيث خزانه البشري ومصدر قوته الرئيسي.

أن تحضر مفردة المقارنة بين البقاعي والجنوبي لغرض الفتنة، في مقالة أو دراسة إسرائيلية مرموقة، مع الإلحاح على استخدامها باعتبارها أداة مجدية في تحقيق هدف إضعاف حزب الله، هي بالتأكيد ليست أمرا عابرا
وورد في الدراسة وجوب مسارعة التحالف العربي بقيادة السعودية إلى التدخل في الساحة اللبنانية، وتحديدا في البقاع، لمواجهة نفوذ حزب الله والحد منه، عبر إغراق المناطق البقاعية بالمساعدات التنموية والمالية، على أن تكون هذه المساعدات مباشرة من دون وسيط، محددة وموجهة لتحقيق الأهداف.

مصادر لبنانية تقول:" أن تحضر مفردة المقارنة بين البقاعي والجنوبي لغرض الفتنة، في مقالة أو دراسة إسرائيلية مرموقة، مع الإلحاح على استخدامها باعتبارها أداة مجدية في تحقيق هدف إضعاف حزب الله، هي بالتأكيد ليست أمرا عابرا، بل تعكس، بغض النظر عن إمكانات تحققها، وجود رهان إسرائيلي بشأن قدرتها على مواجهة حزب الله، وصولا إلى إبعاد بيئته عنه".

في الخط الموازي، عرضت صحيفة "هآرتس" والقناة 11 الإسرائيلية ، في تقريرين شبه متطابقين، إشارات من جلسة خاصة للمجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية في تل أبيب، عرض خلالها الجيش الإسرائيلي تقديراته للحرب المقبلة في مواجهة حزب الله، ومخاطر الخلل ومكامنه في الجبهة الداخلية الإسرائيلية . تتضمن التقديرات ثلاثة سيناريوهات في حال نشوب الحرب:

السيناريوهات تضمنت تحليلا لعدد الصواريخ التي سيُطلقها حزب الله يومياً، ومعدل اعتراضها المتوقع، إضافة إلى عدد الصواريخ التي ستسقط في المناطق المأهولة مقابل تلك غير المأهولة، والعدد التقديري للإصابات.

ورغم أن التقريرين يعرضان صورة عامة عن خطة إخلاء المستوطنين في الشمال، إلا أن الأهم من كل ذلك، هو التقدير بأن إمكانات نشوب الحرب ما زالت منخفضة ومحدودة، مع التأكيد بالمقابل أن أي حدث صغير، من شأنه أن يؤدي إلى تصعيد كبير خلافاً لإرادة الطرفين. وهذا التقدير لا يقتصر فقط على الساحة اللبنانية، حيث الردع متبادل وإرادة منع أسباب التصعيد موجودة لدى الجانبين، بل أيضاً ينسحب إلى الساحة السورية، حيث إمكان الوقوع في أخطاء عالية أكثر، ما يعني إمكان التدحرج نحو مواجهة واسعة، عالية أيضاً في سياقها، لذا عمل مؤخراً الجيش الإسرائيلي تمرينا عسكريا على مستوى اللواء بمشاركة وحدات من قيادة القوات البرية حاكى مواجهة عسكرية مع حزب الله، وهدف الى تحسين القدرات الهجومية والدفاعية. وأقر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي غادي أيزنكوت بقدرات حزب الله القتالية، وقال أثناء تفقده جهوزية الوحدات المشاركة في التدريبات المفاجئة التي حصلت في الجولان، إنه "يجب على الجنود والقيادة العسكرية أن يكونوا قادرين على محاربة العدو على أربع جبهات: على الأرض، تحت الأرض، في الجو، وعبر الإنترنت على طول الجبهة الشمالية".

هذه المناورات الموسعة التي كان عنوانها مواجهة التهديدات الجديدة القادمة من حزب الله، كانت تحت عيون المقاومة التي تابعت عن كثب التكتيكات التي تم استخدامها من قبل اللواء السابع المدرع ولواء جولاني وفيلق العتاد والتسليح وغيرها من وحدات جيش الاحتلال.

أن تركيز المناورة على دور وسائل الحرب الإلكترونية، والطائرات المسيّرة الصغيرة، والبطاريات المتحركة لمنظومة القبة الحديدية، جاء بعد فشل منظومة "مقلاع داود" في اعتراض صاروخين قبل نحو أسبوعين في الجولان المحتل، وهذا ما تسبب بكارثة على المستوى العسكري نتيجة انكشاف ثغرات كبيرة في تلك المنظومة.

وتلفت الأوساط الى أن" إسرائيل" تدرك جيدا نوع الخبرات التي اكتسبها حزب لله في سوريا، وتدرك أنه يملك أسلحة أكثر تطورا منذ توقف الحرب في عام 2006.

لم تكن تل أبيب لتتجه إلى موسكو، إلا بعد أن أدركت وقدّرت استمرار التوجه التراجعي للوجود والنفوذ الأميركيين في الساحة السورية، وصعوبة، إن لم يكن انتفاء، الرهان على الحليف الأميركي.  

من ناحية روسيا، المعنية  بتحقيق مصالحها أولاً، لا تقصر نظرتها وأفعالها واستراتيجياتها على الساحة السورية من دون النظر إلى كل الساحات. على ذلك، بات بالإمكان فهم محاولة التسوية الروسية والدفع نحو "التعايش القسري" إن أمكن بين الجانبين.

في النهاية، إن عرض السيناريوهات المحتملة للمواجهة بين حزب الله و"إسرائيل"، لا يعني أن الحرب باتت وشيكة، بل هو مجرد عرض لفرضيات ما زالت مستبعدة.

في الوقت نفسه حزب الله يراقب عن بعد ولم يدخل في نقاش جدي أو سطحي مع أحد في مآل المرحلة المقبلة، فمعركته في سوريا مستمرة وهو يخوضها بالتوازي مع ثبات موقفه على الساحة الداخلية، وهو أكثر الأطراف معرفة بما يريده لأنه جزء من القوى المقررة في المنطقة.

سركيس ابو زيد / العهد